صورة ترامب على عملة هرمجيدون --عدنان خليل //
"ورأيت من فم التنين ، ومن فم الوحش، ومن فم النبي الكذاب، ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع"، "فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات، تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة، لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم، يوم الله القادر على كل شيء"... الحرب التي يبيد فيها الله الاشرار واقعة في هرمجدون.” هذه بعض من ايات رؤيا النبي يحي بن زكريا او يوحنا المعمدان الواردة في الانجيل سفر الرؤيا 16.
ويعتقد البعض ان هرمجدون، هي سهل مرج بني عامر في فلسطين.
وكعادة البشر عبر الزمن تقوم اطراف الصراع باستحضار شخوص التاريخ وتجير نصوص الروايات التاريخية والمعتقدات لصالحها، وخاصة ما كان منها مقدس، ليخلصوا الى مضامين تساعد في عمليات التحشيد وتبرير الأفعال، ونبؤة المعمدان هي من اخطر النصوص التي جرى ويجري تفسيرها .باعتبارها تمثل للمؤمنيين عودة المسيح وانتهاء الشر والحصول على الجنة.
هذه النبؤة كانت سابقا ضرورية لملوك اوروبا في الحروب الصليبية، وهي ضرورية الان في حقبتي الاستعمار الراسمالي المباشر وغير المباشر، ليحكم السيطرة على مصادر الطاقة والثروات في المنطقة العربية، لقد تم استحضار أرواح جدعون وشاول ويوشع وحلم موقعة هرمجيدون وموضعتها في فلسطين، التي اعتبروها الارضالممنوحةوالموعودة من قبل الرب، ليبثوا الحماسة في قلوب الاروبين اليهود المضطهدين، وليمكنوهم من فلسطين لاقامة الدولة العنصرية التي تتطهد الشعب الفلسطيني وترهبه وتهجره.
في الولايات المتحدة هذه النبؤة اخذت حيزا مهما وتم تروجيها على مستوى واسع من خلال الطائفة المسيحية، الافنجليكال او المسيحيين الصهاينة، والتي يقدر اتباعها بعشرات الملايين ( 40 -80 مليون)،

وبالنسبة لكثير منهم ، فان أحد المبادئ الاساسيه لهم هو جمع أكبر عدد من يهود العالم فيما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. انها عقيده الصهيونية المسيحية ، ولا شك ان لها عواقب محتمله حقيقية علي السياسة الخارجية للولايات الامريكيه.. هذا، وتم نشر سلسلة كتب من وحي النبؤة، باسم "ذا لفت بهايند". بيعت هذه السلسلة بعشرات الملايين من النسخ وتم استخدامها في انتاج سلسلة أفلام بطوله كيرك كاميرون في 2001 ، وأعاده اطلاقها في 2014 مع نيكولاس كيج. وتروي هذه السلسله المروعة انه في لحظة حاسمة وفي معركة هرمجدون، "المسيح الدجال" يجمع كل جيوش العالم لمهاجمة آخر المسيحيين واليهود المتبقيين في إسرائيل، فيحسم المعركة المسيح نفسه ويدمر الجيوش الغازية، ليفوزوا بالجنة كنهاية للعالم .
طبعا، الطوائف المسيحية الأخرى لا تتفق مع هذا التفسير، فمثلا القمص امطونيوس فكري القبطي يفسر سفر الرؤيا ويعتبر النبي الدجال هو تعبير عن السلطة الدينية اليهودية، بقوله "ان الجامات الواردة في الرؤيا هي احكام إدانة ضد مملكة الشر في العالم وان تكرار كلمة من فم، من فم التنين (الشيطان) ومن فم الوحش (القائد المدني) ومن فم النبي الكذاب (السلطة الدينية اليهودية) ، كونها أقوال وتعاليم أو أنها دعوة للحرب وإثارة وتهييج للشعوب والحكام لقيام حرب دموية رهيبة.
لقد اكتسبت الطائفة الانجليكالية "البروتستانت" في الولايات المتحدة ثقلا نوعيا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، نتيجة تطبيق الخطط الاستراتيجية في الافكار والتوجهات الدينية لمحاربة الفكر الاشتراكي ومحاربة الاتحاد السوفيتي.
في المرحلة الريجانية وجد المحافظون الجدد ضالتهم في الكنيسة الانجليكالية، فركب الحزب الجمهوري موجه الحركة هذه، ليتم استخدام الدين بشكل واسع في مصالح السياسين ومن وراءهم من شرائح اقتصادية مسيطرة. ولا زال الامر كذلك في مرحلة ترامب، لا بل اخذ منحا اكثر خطورة حيث يصفه اندرو شيسنوت ، أستاذ الدراسات الدينية في جامعه فرجينيا كومنولث بقوله "هناك خطر واضح بان الأشخاص -الذين يهللون للنهاية لانها تعني لهم الجنة- هم في مناصب رفيعة يؤيدون هذه المعتقدات وسيكونون جاهزين لان ياخذونا إلى صراع يضعنا في هرمجيدون".
دونالد ترامب البليونير الليبرالي ابن نيويورك، لا يعكس النموذج المسيحي الورع. مطلق مرتين، ويتفاخر بالتحرش الجنسي على النساء. لكنه يجد نفسه أكثر من اي وقت مضي معتمدا على الإنجيليكال البيض لبقاءه السياسي،. فهم يتسامحون ويغفرون خطاياه ويستميتون في الدفاع عنه، فهو بنى هويته السياسية حول سياسات الهجرة المتشددة ، وحظر سفر المسلمين، ويعطي اسرائيل بغير حساب. وهذا يعتبرونه بحد ذاته عملا يخدم الكتاب المقدس وتفسيرهم لرؤيا المعمدان. وتُحكَم قمرة قيادته بمخلصي هذه الطائفة، مثل نائب الرئيس بنس ووزير الخارجية بومبيو.
لقد خاب ظن الكثيرين من الذين كانوا يتصورون ان البلد الاعظم في العالم راعي السلام على مدار عقود!! فقد وجدوا كيف تقود مصالح الفئات الحاكمة في هذا البلد القرارات، وكيف تتخذ المواقف فتخالف الشرعية الدولية وقانون جرائم الحرب بمنحها اسرائيل الاراضي التي احتلتها بالقوة، ان كان في الجولان او القدس او الضفة الغربية.
في المحصلة لقد وضع نتنياهو صورة المليونير الامريكي ترامب على عملة هرمجيدون!