عدنان خليل بواسطة عدنان
عدنان خليل
في تونس، قبل عقد ونيف من الزمن، أشعل البوعزيزي جسده غضبا، فتطاير لهيبه مشعلا الهشيم العربي، وضرب "تسونامي" روحه الوقادة، التي تحمل معاني العزة والكرامة الشخصية والطموح بالحصول على العيش الكريم، جنبات الامة العربية من المحيط الى الخليج.
ان حريق البوعزيزي لنفسه، تعبيرا متطرفا لغضبه دفاعا عن كرامته التي هدرها النظام الحاكم، كان قد حفز جيل من الشباب العربي الغاضب على الانتفاض وعلى القاء حاكمهم زين العابدين خارج سياج تونس، لينتقل رد فعل نفس الجيل الى مصر و ليدفن مبارك خارج المقابر الفرعونية. وكان هنا وهناك غضب وجيل مقدام، غضب في المغرب وغضب في الاردن وغضب في سوريا وغضب في ليبيا ... لقد انعكس غضب الجيل الشاب العربي في الانتفاضات والحراكات الثورية في كافة الاقطار العربية في ظل ظروف ذاتية للوطن العربي استحكمت في مفاصله القوى الظلامية الطائفية المعتاشة باموال النفط، وظرف موضوعي مكن فيه نظام القطب الواحد من استفراد قوى الامبريالية بالمنطقة العربية، مما ادى الى تثبيت وهيمنة اسرائيل في المنطقة وضرب التشكيلات التقدمية وتهميش القوى المستنيرة العلمانية، وتمكين الحكم الفردي والبيروقراطية البرجوازية الناشئة من الحكم وتنمية الدواعش وجماعات الطوائف.
في هذا الحراك "المعمعمة" الذي أطلقه الغضب فقد كثيرون البوصلة، وكُفِّرَ الشيعي والمسيحي والسني واصبح"الدم للركب!" وتنمرت تركيا وايران وطالت اياديهما كثيرا من ساحات المنطقة العربية، ولجأ بعض الحكام العرب للحضن الصهيوني لارضاء الساسة الامريكيين حفاظا على كراسيهم ومكتسباتهم وتجنبا لمعاقبتهم عند افراطهم في التعدي على مبادئ الحياة الانسانية او عند قيامهم بنشر عظام ولحم البشر.
وفي المحصلة أقعت الامة العربية مثخنة امام عتبات التاريخ بدلا من القفز للامام. فها هي التجربة الاهم التي راهنا عليها في بلد البوعزيزي، لا زالت تراوح مكانها ولم تخرج من قوى الشد العكسي ولم تفتح مسربا للتنمية ولم تنفتح طاقات الحرية ولم تجد سبلا للديمقراطية بعد. لا زال غضب الجيل الجديد يحوم في الشوارع في تونس ويحوم في لبنان والعراق ومصر والسودان.. غضب.. غضب.. غضب.
الغضب في الوطن العربي لا يختلف عن الغضب في كافة ارجاء المعمورة، ان كان في تونس او الولايات المتحدة او في الصين، فالغضب واحد وينشأ عن عوامل عديدة ومختلفةتؤدي الى هوة سحيقة، مابين الواقع والحق والعدالة، او الواقع والطموح او الامل، تؤدي للغضب لدى الشخص او الفئة او الطبقة او المجتمع.
في الصين غضب بعض الشرائح، مثل الايغور اوقوى ما سمي بثورة المظلات في هونغ كونغ عام 2014 ، جرى ويجري ضبطه من قبل النظام بنجاح بالاستناد على الاعجاز الاقتصادي الذي حققه النظام في قيادة نمو مستدام ادى الى انتشال اكثر من 500 مليون صيني (اكثر من ثلث سكان الصين) من حالة الفقر والعوز وادخلهم بنجاح في دورة الانتاج الاقتصادي. اما في الولايات المتحدة الامريكية فهي تعيش على غير هدى في خضم أزمة يمزقها غضب لشرائح اجتماعية متنافرة نتيجة عدم المساواة أو الاحساس بالغبن في ظل العوز. ان عدم المساواة الاقتصادية في أمريكا يخرج عن نطاق السيطرة امام كثافة تمركز راس المال على حساب الطبقات الوسطى وطبقة العمال لتجد شرائح وفئات غاضبة، غضب عارم لدى السود الامريكيين كونهم مضطهدين عنصريا في مجتمع يفترض به ان يحقق المساواة، وغضب لدى طبقات البيض من العمال والفلاحين وصغار الكسبة، فقد انحدر بهم النظام الراسمالي وحولهم من منتجين كسبة الى مستهلكين ومقترضين وتركهم في عوز على الرغم من وفرة خيرات التقدم العلمي، لقد انخفضت اجورهم ومداخيلهم مقارنة بقيمة انتاجهم. واذا توغلت في الولايات الوسطى والزراعية، ذات الكثافة السكانية للبيض الاروبيين، تلمس تعابير الغضب من خلال تنامي المليشيات المسلحة وتنامي ظاهرة البيض المتفوقين المتطرفة.
ان الانظمة المتحكمة في الولايات المتحدة تحاول وقف انزلاق العربة دون الارتكاز على رؤيا تصحيح النظام المتوحش وغير العادل، بل من خلال القفز للامام ومحاصرة الصين واضعافها وتفكيكها، ومحاولة تفكيك الاتحاد الروسي صاحب ثلث خيرات الارض والاستمرار في اعادة تشكيل اوروبا ضمن الفلك الامريكي، وما صب الزيت على النار وتسعير الحرب الروسية الاوكرانية الا خطوة في هذا الاتجاه ومحاولة لاستباق الوهن الذي ينخرالعظام. فهل تنجح في اندفاعها هذا ام ان القوى الاخرى اصبحت عصية على الكسر وان العالم يسير في اتجاهات اخرى وعالم جديد اكثر عدالة؟!
واذا كانت امريكا تمر في هذه المرحلة من عدم اليقين، فما بالك في العالم العربي الذي تسير كثير من انظمته متسولة على ابواب الغرب وتعمل في هدي وتوجيهات مؤسساته ودوائره؟ واذا كان العالم يمر في مرحلة مفصلية في التاريخ البشري، وجميع الامم تدفع في تجاه مصالحها وتطورها، فلا شك ان الامة العربية تبحث ايضا عن مكانها تحت الشمس.
وبالتالي فان السؤال الذي يطرح نفسه: هل قادة الامة العربية في مستوى المرحلة؟ وهل حكامها قادرين وعلى استيعاب غضب الناس بدلا من نحرهم وتقطيعهم؟ وهل يعلمون ان لدى الوطن العربي "مجتمعا" كل الفرص التاريخية للنهوض والخروج من الذل والتبعية عند تشغيل مكائنه الانتاجية غير المستغلة؟ ولنا ايضا ان نتسال: هل جلسات مؤتمر القمة العربية القادم في نوفمير 2022 ، تتضمن بحثا عن رؤيا استراتيجية للواقع العربي ولمستقبل الامة، وخاصة ان مفارم الموت، في هذه الفترة، في الوطن العربي (عدا فلسطين) في هدنة؟
بعكس ذلك، وللاسف، فان هذا الغضب العربي سيولد دورة اخرى من شلالات الدم، ومن الممكن ان عددا غير قليل من الذين سيحضرون هذا المؤتمر لن يكونوا موجودين لحضور المؤتمرات التي ستلي!.ينشر المقال في ضوء حق حرية التعبير، والآراء المنشورة تعبر عن آراء المؤلف (المؤلفين) والذي هو وحده مسؤول عنها وعن مدى صحة المعلومات الواردة، ولا تعكس بالضرورة آراء جريدة "الحواث" أو الحوادث للعرب الأمريكيين أو alhawadeth.net أو أي من محرري الجريدة أو الموقع الالكتروني .
أخبار ذات صلة
كل التعليقات ( 0 )